سورة مريم - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)}
{وَجَعَلَنِى} مع ذلك {مُبَارَكًا} قال مجاهد نفاعًا ومن نفعه إبراء الأكمه والأبرص. وقال سفيان: معلم الخير آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر. وعن الضحاك قاضيًا للحوائج، والأول أولى لعمومه، والتعبير بلفظ الماضي في الأفعال الثلاثة إما باعتبار ما في القضاء المحتوم أو بجعل ما في شرف الوقوع لا محالة كالذي وقع. وقيل أكمله الله تعالى عقلًا واستنبأه طفلًا وروي ذلك عن الحسن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس أن عيسى عليه السلام درس الإنجيل وأحكمه في بطن أمه وذلك قوله: {آتانى الكتاب} [مريم: 30] {أَيْنَ مَا كُنتُ} أي حيثما كنت. وفي البحر أن هذا شرط وجزاؤه محذوف تقديره جعلني مباركًا وحذف لدلالة ما تقدم عليه، ولا يجوز أن يكون معمولًا لجعلني السابق لأن أين لا تكون إلا استفهامًا أو شرطًا والأول لا يجوز هنا فتعين الثاني واسم الشرط لا ينصبه فعل قبله وإنما هو معمول للفعل الذي يليه.
{وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ} أي أمرني بهما أمرًا مؤكدًا. والظاهر أن المراد بهما ما شرع في البدن والمال على وجه مخصوص. وقيل المراد بالزكاة زكاة الفطر. وقيل المراد بالصلاة الدعاء وبالزكاة تطهير النفس عن الرذائل، ويتعين هذا في الزكاة على ما نقل عن ابن عطاء الله وإن كان منظورًا فيه من أنه لا زكاة على الأنبياء عليهم السلام لأن الله تعالى نزههم عن الدنيا فما في أيديهم لله تعالى ولذا لا يورثون أو لأن الزكاة تطهير وكسبهم طاهر. وقيل لا يتعين لأن ذلك أمر له بإيجاب الزكاة على أمته وهو خلاف الظاهر، وإذا قيل يحمل للزكاة على الظاهر فالظاهر أن المراد {أوصاني} بأداء زكاة المال أن ملكته فلا مانع من أن يشمل التوقيت بقوله سبحانه: {والزكواة مَا دُمْتُ حَيًّا} مدة كونه عليه السلام في السماء، ويلتزم القول بوجوب الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام هناك كذا قيل.
وأنت تعلم أن الظاهر المتبادر من المدة المذكورة مدة كونه عليه الصلاة والسلام حيًا في الدنيا على ما هو المتعارف وذلك لا يشمل مدة كونه عليه السلام في السماء، ونقل ابن عطية أن أهل المدينة. وابن كثير. وأبا عمرو قرأوا {دُمْتُ} بكسر الدال ولم نجد ذلك لغيره نعم قيل إن ذلك لغة.


{وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)}
{وَبَرًّا بِوَالِدَتِى} عطف على {مُبَارَكًا} [مريم: 31] على ما قال الحوفي وأبو البقاء، وتعقبه أبو حيان بأن فيه بعدًا للفصل بالجملة ومتعلقها اختار إضمار فعل أي وجعلني بارًا بها، قيل هذا كالصريح في أنه عليه السلام لا والد له فهو أظهر الجمل في الإشارة إلى براءتها عليها السلام. وقرئ {برًا} بكسر الباء ووجه نصبه نحو ما مر في القراءة المتواترة، وجعل ذاته عليه السلام برًا من باب فإنما هي إقبال وإدبار، وجوز أن يكون النصب بفعل في معنى {أوصاني} أي وألزمني أو وكلفني برًا فهو من باب:
علفتها تبنًا وماءً باردًا ***
وأقرب منه على ما في الكشف لأنه مثل زيدًا مررت به في التناسب وإن لم يكن من بابه.
وجوز أن يكون معطوفًا على محل {أَهْلَكَ بالصلاة} كما قيل في قراءة {أَرْجُلِكُمْ} بالنصب، وقيل إن أوصى قد يتعدى للمفعول الثاني بنفسه كما وقع في البخاري أوصيناك دينًا واحدًا، والظاهر أن الفعل في مثل ذلك مضمن معنى ما يتعدى بنفسه، وحكى الزهراوي. وأبو البقاء أنه قرئ {وبر} بكسر الباء والراء وهو معطوف على الصلاة والزكاة قولًا واحدًا، والتنكير للتفخيم {بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا} أي لم يقض على سبحانه بذلك في علمه الأزلي، وقد كان عليه السلام في غاية التواضع يأكل الشجر ويلبس الشعر ويجلس على التراب ولم يتخذ مسكنًا، وكان عليه السلام يقول: سلوني فإني لين القلب صغير في نفسي.


{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)}
{والسلام عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} تقدم الكلام في وجه تخصيص هذه المواطن بالذكر فتذكر فما في العهد من قدم. والأظهر بل الصحيح أن التعريف للجنس جىء به تعريضًا باللعنة على متهمي مريم وأعدائها عليها السلام من اليهود فإنه إذا قال جنس السلام على خاصة فقد عرض بأن ضده عليكم، ونظيره قوله تعالى: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} [طه: 47] يعني أن العذاب على من كذب وتولى، وكان المقام مقام مناكرة وعناد فهو مئنة لنحو هذا من التعريض. والقول بأنه لتعريف العهد خلاف الظاهر بل غير صحيح لا لأن المعهود سلام يحيى عليه الصلاة والسلام وعينه لا يكون سلامًا لعيسى عليه الصلاة والسلام لجواز أن يكون من قبيل {هذا الذى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} [البقرة: 25] بل لأن هذا الكلام منقطع عن ذلك وجودًا وسردًا فيكون معهودًا غير سابق لفظًا ومعنى على أن المقام يقتضي التعريض ويفوت على ذلك التقدير لأن التقابل إنما ينشأ من اختصاص جميع السلام به عليه كذا في الكشف والاكتفاء في العهد به لتصحيحه بذكره في الحكاية لا يخفى حاله وسلام يحيى عليه السلام قيل لكونه من قول الله تعالى أرجح من هذا السلام لكونه من قول عيسى عليه السلام، وقيل هذا أرجح لما فيه من إقامة الله تعالى إياه في ذلك مقام نفسه مع إفادة اختصاص جميع السلام به عليه السلام فتأمل.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {يَوْمَ وُلِدْتُّ} بتاء التأنيث وإسناد الفعل إلى والدته.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14